الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

المرأة في جنوب السودان تحت المجهر [الجزء الخامس]

MiCT | النيلان
جوبا – ‘هكذا يتم الزواج أحياناً’: المرأة والزواج في جنوب السودان.
25.04.2024

الأبقار والزواج والأطفال

ربما يكون الزواج هو العامل الأهم في صقل تجارب المرأة ومنزلتها ومسؤولياتها في جنوب السودان. تصف أورلي شتيرن في كتابها \"الأمل والألم والصبر: حياة المرأة في جنوب السودان\" الدور المركزي الذي يلعبه الزواج، ومختلف الممارسات المتعلقة به، وبعض التغييرات التي طرأت عليه نتيجة التأثير الاجتماعي للحرب والاستقلال.

يعتبر الزواج في جنوب السودان مؤسسة اجتماعية تشمل العائلة بكاملها وتربط بين مجموعات منفصلة من القرابات. ويحتل الزواج مكانة مركزية وهامة في المجتمع كونه يشكل إطار العلاقات الاجتماعية لمجتمعاتٍ بأسرها.

يتوجب على الرجل دفع مبالغ كبيرة مهراً للعروس، لذا فإن الزواج يشكل مصدراً هاماً لدخل كثير من الأسر. وتحفز ضرورة تقديم مهر غال للعروس الرجال على جمع الثروة. وبما أن الطلاق يستوجب إرجاع المهر الذي تشارك في دفعه العائلة الكبرى، تعتبر النزاعات الزوجية مشكلات مجتمعية وليست قضايا خاصة. صحيحٌ أن ذلك معناه أن للأقرباء الداعمين مصلحة في مساعدة الزوجين على حل مشاكلهم، إلا أنه يعني أيضاً أنهم ، في سبيل المحافظة على التماسك الاجتماعي، يمنعون النساء من الإفلات من مشاكل زوجية خطيرة.

يعتبر تعدد الزوجات في جنوب السودان أمراً قانونياً وسائداً ومقبولاً على نطاقٍ واسع، لا بل إنه يعد عاملاً هاماً للتقدم الاجتماعي والاقتصادي لأن تعدد الزوجات يعني إنجاب مزيد من البنات اللواتي يساهمن في زيادة الماشية من خلال مهورهن. وتصف روز أكول، إحدى اللواتي تمت مقابلتهن في كتاب شتيرن في الفصل المتعلق بالمرأة والزواج في جنوب السودان، العلاقة المركزية بين الزواج والثروة بما يلي: \"تتمحور الحياة حول حلقة الأبقار والزواج والأولاد، فالأبقار تمكنك من الزواج الذي بدوره يمنحك الأولاد\".

ولكن، مع التحديث، تخلى بعض الناس خاصة من الطبقة العليا عن تعدد الزوجات، كما زادت نسبة النساء المتعلمات اللواتي يرفضنه.

خيارات المرأة في الزواج

على الرغم من ابتعاد بعض شرائح المجتمع عن تعدد الزوجات، فأن البقاء بلا زواج لا يعتبر خياراً واقعياً في جنوب السودان وخاصة بالنسبة للنساء. فالمجتمع يزدري غير المتزوجات، ولا يعاملهن بجدية، وينظر إليهن نظرةً دونية. ويمتد هذا التحامل إلى المطلقات. ولعدم الزواج عواقب وخيمة على عدة مستويات منها الارتقاء الوظيفي. ففي الحياة السياسية مثلاً، تستطيع المرأة المتزوجة ترشيح نفسها لبرلمان جنوب السودان بعكس المرأة العازبة.

أغنية كاجو تدعو مجتمع جنوب السودان الى معرفة مشاكل النساء في البلاد. الأغنية من تأليف وغناء سيستر دي، بدعم من Xchange Perspectives في ياي، جنوب السودان، 2007.

نظرياً، تعتبر المرأة الشابة حرةً في اختيار أي زوجٍ قادرٍ على دفع مهرٍ مناسبٍ لها، شرط موافقة أسرتها طبعاً، ولكن عملياً، ثمّة العديد من الممارسات الشائعة التي تحول دون ذلك.

أولها، قيام بعض الأسر أحياناً بتزويج بناتها في سنٍ مبكرة للحصول على المهر. وغالباً يتم تزويجهن لرجالٍ يكبرونهن كثيراً في السن من القادرين على دفع المهور. كان الزواج المبكر شائعاً على نطاق واسع أثناء الحرب لأن الظروف الاقتصادية السيئة كانت تدفع الأسرة إلى تزويج بناتها في أصغر سنٍ ممكنٍ لضمان مهرها وتحمّل أسرة الزوج لمصروفها حتى لو ذهب زوجها إلى الحرب ولم يرجع.

ثانياً، إن الاغتصاب خلال الحرب أو احتمال الانتهاك الجنسي له أثرٌ كبيرٌ على خيارات النساء في الزواج. فالمغتصَبة التي فقدت عذريتها تعتبر كاسدة وتتضاءل فرصتها في إيجاد زوج. نتيجةً لذلك، غالباً ما تدخل أسرتا الضحية والجاني في مفاوضات تنتهي غالباً بإجبار الضحية على الزواج من المغتصِب. وفي الواقع، يقوم الرجال أحياناً بالاغتصاب لإجبار النساء المستهدفات على الزواج بهم.

وعندما تفقد المرأة عذريتها، لا تستطيع أسرتها طلب مهرٍ مرتفع. إن احتمال تعرض النساء للاغتصاب شجع الزواج المبكر أثناء الحرب. كما تقوم بعض الأسر بتزويج بناتها في سنٍ مبكرة خشية خسارة المهر إن تعرضن للخطف من مخيمات اللاجئين أو للزواج القسري أو للاعتداء الجنسي. وقد اتُخذت بعض الخطوات بعد انتهاء الحرب لوضع حدٍ لهذه الممارسة.

العنف الأسري

يعتبر قيام الزوج في جنوب السودان، باعتباره رب الأسرة، بتأديب زوجته وأولاده أمراً مقبولاً تماماً. تتقبل الكثير من النساء هذه الفكرة فهن يعتقدن بأن \"النساء كالأطفال بحاجة للتأديب أيضاً\". تشير الدراسات القليلة المتوفرة عن هذه القضية إلى أن العنف الأسري واسع الانتشار ومتكرر وفي تزايد مستمر. إن التقبّل الاجتماعي للعنف الأسري وتدني منزلة المرأة في المجتمع يساهمان في انتشاره. كما يعتبر الإدمان على الكحول عاملاً إضافياً هاماً في العنف الأسري.

الطلاق مسموحٌ في جنوب السودان، إلا أنه غير مرغوب فيه مطلقاً ونادرٌ للغاية. فهو يعني تفكك روابط القرابة، ويعتبر حالة قاسية جداً في العلاقات نظراً للمكانة المركزية التي يتمتع بها الزواج. ويسعى كبار العائلة والقبيلة إلى حل المشاكل الزوجية دون اللجوء إلى الطلاق. وتجبر صعوبة الطلاق المرأة على البقاء عند زوجها الذي يسيء معاملتها، وهذا أيضاً عامل هام مسبب للعنف الأسري.

عقدٌ يبقى إلى ما بعد الموت

المرأة في جنوب السودان تحت المجهر:

الجزء الأول - ’جميعاً كنا جنوداً‘، مقاتلات من الحرب الأهلية في جنوب السودان

الجزء الثاني - ’سيبونا سيبونا‘: ناجيات من العنف الجنسي في جنوب السودان

الجزء الثالث - ’إذا لم تستطيعي كسب العيش بيديك…‘: عاملات الدعارة في جوبا، جنوب السودان

الجزء الرابع - قبول التحديات الجديدة: المرأة وتقديم الخدمات
بالنسبة إلى بعض القبائل في جنوب السودان، حتى الموت لا يبطل عقد الزواج بل ما يبطله هو إرجاع المهر. أول النتائج المترتبة على موت الزوج هو أنه في حال كانت الزوجة حاملا فإن الأولاد يُنسبون للزوج المتوفى بغض النظر عن والدهم الحقيقي.

نتيجة أخرى هي ممارسة توريث الزوجة التي تهدف إلى الحفاظ على الروابط الزوجية بين أسرتي الزوجين، وتوفير شبكة أمان اجتماعية للأرامل، ولكنها تتسبب بآثارٍ ماليةٍ وصحيةٍ خطيرة. واللافت أن هذه الممارسة تراجعت كثيراً أثناء الحرب. ففي إحدى الدراسات، عبرت بعض الأرامل عن شعورهن بالوحدة والمعاناة لأنهن لم \"يورثن\".

وهذا يوضح مدى تعقيد هذه الممارسات، التي برغم أضرارها في بعض الجوانب، إلا أنها تحقق أهدافاً اجتماعيةً هامة. وينبغي مراعاة هذه التعقيدات أثناء صياغة القوانين والسياسات الجديدة.

ديناميات متغيرة

مع اندلاع الحرب الأهلية وذهاب الرجال إلى الحرب أو لإيجاد فرص عملٍ في أماكن أخرى، وجدت المرأة السودانية الجنوبية نفسها فجأةً ربةً للأسرة وأصبحت مستقلةً ومسؤولةً عنها، وهذا الأمر جديدٌ عليها كلياً. كما شاركت الكثير من النساء في الحرب. إن هذه الفرص التي زادت مسؤولية وقوة المرأة بدأت بالتأثير على الموازين الصارمة للقوة داخل العلاقات الزوجية.

لا تزال آثار هذه التغييرات واضحةً حتى بعد نهاية الحرب. فقد شعر بعض الرجال العائدين من خطوط القتال بأنهم فقدوا السيطرة بعد رؤية زوجاتهم يحتللن مواقعهم السابقة. ساهم هذا في خلق \"أزمة ذكورة\" يقال إنها لعبت دوراً في ارتفاع مستويات العنف الأسري والجنسي.

وعلى غرار العديد من الجوانب الحياتية في دولة جنوب السودان المستقلة حديثاً، بدأت مؤسسة الزواج أيضاً تتغير وتتكيف. وفي الوقت نفسه، تجري حالياً صياغة قوانين وسياساتٍ جديدة لتنظيم الدولة الحديثة، ولوضعها على مسار المساواة واحترام حقوق الإنسان. وتعتبر هذه الفترة فرصةً لإحداث تغييرات في الممارسات المسيئة للمرأة. ويتوقف إحداث تحسينات كبرى في حياة المرأة السودانية الجنوبية على سن قوانين زواج جديدة وناجحة.

اقتباس معد من طرف كارا مينتجس من فصل أورلي شتيرن ”هكذا يتم الزواج أحياناً: المرأة والزواج في جنوب السودان“ من كتاب ”الأمل والألم والصبر: حياة النساء في جنوب السودان“، إعداد فريديك بوبنزر وأورلي شتيرن. التقطت الصور بعدسة إيرين عبدو وجين وارن. من منشورات معهد العدالة والمصالحة. رقم ISBN: 978-1-920196-36-3. الناشر: جاكانا ميديا. متوفر على الرابط http://www.jacana.co.za